الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان المشهور بـ «تفسير القرطبي»
.تفسير الآيات (60- 62): {قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (60) قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (61) أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (62)}{الْمَلَأُ} أشرف القوم ورؤساؤهم. وقد تقدم بيانه في البقرة. الضلال والضلالة: العدول عن طريق الحق، والذهاب عنه. أي إنا لنراك في دعائنا إلى إله واحد في ضلال عن الحق. {أُبَلِّغُكُمْ} بالتشديد من التبليغ، وبالتخفيف من الإبلاغ.وقيل: هما بمعنى واحد لغتان، مثل كرمه وأكرمه. {وأنصح لكم} النصح: إخلاص النية من شوائب الفساد في المعاملة، بخلاف الغش. يقال: نصحته ونصحت له نصيحة ونصاحة ونصحا. وهو باللام أفصح. قال الله تعالى: {وَأَنْصَحُ لَكُمْ} والاسم النصيحة. والنصيح الناصح، وقوم نصحاء. ورجل ناصح الجيب أي نقي القلب. قال الأصمعي: الناصح الخالص من العسل وغيره. مثل الناصع. وكل شيء خلص فقد نصح. وانتصح فلان أقبل على النصيحة. يقال: انتصحني إنني لك ناصح. والناصح الخياط. والنصاح السلك يخاط به. والنصاحات أيضا الجلود. قال الأعشى:الربح لغة في الربع، وهو الفصيل. والربح أيضا طائر. وسيأتي لهذا زيادة معنى في {براءة} إن شاء الله تعالى. .تفسير الآيات (63- 64): {أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (63) فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً عَمِينَ (64)}قوله تعالى: {أَوَعَجِبْتُمْ} فتحت الواو لأنها واو عطف، دخلت عليها ألف الاستفهام للتقرير. وسبيل الواو أن تدخل على حروف الاستفهام إلا الألف لقوتها. {أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ} أي وعظ من ربكم. {عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ} أي على لسان رجل.وقيل: {عَلى} بمعنى مع، أي مع رجل وقيل: المعنى أن جاءكم ذكر من ربكم منزل على رجل منكم، أي تعرفون نسبه. أي على رجل من جنسكم. ولو كان ملكا فربما كان في اختلاف الجنس تنافر الطبع. {الْفُلْكِ} يكون واحدا ويكون جمعا. وقد تقدم في البقرة. و{عَمِينَ} أي عن الحق، قال قتادة.وقيل: عن معرفة الله تعالى وقدرته، يقال: رجل عم بكذا، أي جاهل..تفسير الآيات (65- 69): {وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (65) قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ (66) قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (67) أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ (68) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (69)}قوله تعالى: {وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً} أي وأرسلنا إلى عاد أخاهم هودا. قال ابن عباس أي ابن أبيهم.وقيل: أخاهم في القبيلة.وقيل: أي بشرا من بني أبيهم آدم.وفي مصنف أبي داود أن أخاهم هودا أي صاحبهم. وعاد من ولد سام بن نوح. قال ابن إسحاق: وعاد هو ابن عوص بن إرم بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح عليه السلام. وهود هو هود بن عبد الله بن رباح بن الجلود بن عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح. بعثه الله إلى عاد نبيا. وكان من أوسطهم نسبا وأفضلهم حسبا. و{عادٍ} من لم يصرفه جعله اسما للقبيلة، ومن صرفه جعله اسما للحي. قال أبو حاتم: وفي حرف أبي وابن مسعود {عاد الأولى}بغير ألف. و{هود} أعجمي، وانصرف لخفته، لأنه على ثلاثة أحرف. وقد يجوز أن يكون عربيا مشتقا من هاد يهود. والنصب على البدل. وكان بين هود ونوح فيما ذكر المفسرون سبعة آباء. وكانت عاد فيما روي ثلاث عشرة قبيلة، ينزلون الرمال، رمل عالج. وكانوا أهل بساتين وزروع وعمارة، وكانت بلادهم أخصب البلاد، فسخط الله عليهم فجعلها مفاوز. وكانت فيما روي بنواحي حضرموت إلى اليمن، وكانوا يعبدون الأصنام. ولحق هود حين أهلك قومه بمن آمن معه بمكة، فلم يزالوا بها حتى ماتوا. {إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ} أي في حمق وخفة عقل. قال:وقد تقدم هذا المعنى في البقرة. والرؤية هنا وفي قصة نوح قيل: هي من رؤية البصر.وقيل: يجوز أن يراد بها الرأي الذي هو أغلب الظن. قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ} {خُلَفاءَ} جمع خليفة على التذكير والمعنى، وخلائف على اللفظ. من عليهم بأن جعلهم سكان الأرض بعد قوم نوح. {وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً} ويجوز {بسطة} بالصاد لأن بعدها طاء، أي طولا في الخلق وعظم الجسم. قال ابن عباس: كان أطولهم مائة ذراع، وأقصرهم ستين ذراعا. وهذه الزيادة كانت على خلق آبائهم.وقيل: على خلق قوم نوح. قال وهب: كان رأس أحدهم مثل قبة عظيمة، وكان عين الرجل يفرخ فيها السباع، وكذلك مناخرهم.وروى شهر بن حوشب عن أبي هريرة قال: أن كان الرجل من قوم عاد يتخذ المصراعين من حجارة لو اجتمع عليها خمسمائة رجل من هذه الأمة لم يطيقوه، وأن كان أحدهم ليغمز برجله الأرض فتدخل فيها. {فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ} أي نعم الله، واحدها إلى وإلي وألو وألى. كالإناء واحدها إنى وإني وإنو وأنى. {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} تقدم. .تفسير الآيات (70- 72): {قالُوا أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (70) قالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما نَزَّلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (71) فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ (72)}طلبوا العذاب الذي خوفهم به وحذرهم منه. فقال لهم: {قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ}. ومعنى وقع أي وجب. يقال: وقع القول والحكم أي وجب! ومثله: {وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ}. أي نزل بهم. {وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ}. والرجس العذاب وقيل: عني بالرجس الرين على القلب بزيادة الكفر. {أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ} يعني الأصنام التي عبدوها، وكان لها أسماء مختلفة. ما نزل الله بها من سلطان أي من حجة لكم في عبادتها. فالاسم هنا بمعنى المسمى. نظيره {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها} وهذه الأسماء مثل العزى من العز والأعز واللات، وليس لها من العز والإلهية شي. دابر آخر. وقد تقدم. أي لم يبق لهم بقية..تفسير الآية رقم (73): {وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (73)}وهو ثمود بن عاد بن إرم بن سام بن نوح. وهو أخو جديس، وكانوا في سعة من معايشهم، فخالفوا أمر الله وعبدوا غيره، وأفسدوا في الأرض. فبعث الله إليهم صالحا نبيا، وهو صالح بن عبيد بن آسف بن كاشح بن عبيد بن حاذر بن ثمود. وكانوا قوما عربا. وكان صالح من أوسطهم نسبا وأفضلهم حسبا فدعاهم إلى الله تعالى حتى شمط ولا يتبعه. منهم إلا قليل مستضعفون. ولم ينصرف {ثَمُودَ} لأنه جعل اسما للقبيلة.وقال أبو حاتم: لم ينصرف، لأنه اسم أعجمي. قال النحاس: وهذا غلط، لأنه مشتق من الثمد وهو الماء القليل. وقد قرأ القراء {أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ} على أنه اسم للحي. وكانت مساكن ثمود الحجر بين الحجاز والشام إلى وادي القرى وهم من ولد سام بن نوح. وسميت ثمود لقلة مائها. وسيأتي بيانه في الحجر إن شاء الله تعالى. {هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً} أخرج لهم الناقة حين سألوه من حجر صلد، فكان لها يوم تشرب فيه ماء الوادي كله، وتسقيهم مثله لبنا لم يشرب قط ألذ وأحلى منه. وكان بقدر حاجتهم على كرتهم، قال الله تعالى: {لَها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ}. وأضيفت الناقة إلى الله عز وجل على جهة إضافة الخلق إلى الخالق. وفية معنى التشريف والتخصيص. {فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ} أي ليس عليكم رزقها ومئونتها..تفسير الآية رقم (74): {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74)}فيه ثلاث مسائل:الأولى: قوله تعالى: {وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ} فيه محذوف، أي بوأكم في الأرض منازل. {تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً} أي تبنون القصور بكل موضع. {وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً} اتخذوا البيوت في الجبال لطول أعمارهم، فإن السقوف والأبنية كانت تبلى قبل فناء أعمارهم. وقرأ الحسن بفتح الحاء، وهي لغة. وفية حرف من حروف الحلق فلذلك جاء على فعل يفعل.الثانية: استدل بهذه الآية من أجاز البناء الرفيع كالقصور ونحوها، وبقوله: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ}. ذكر أن ابنا لمحمد بن سيرين بنى دارا وأنفق فيها مالا كثيرا فذكر ذلك لمحمد بن سيرين فقال: ما أرى بأسا أن يبني الرجل بناء ينفعه. وروي أنه عليه السلام قال: «إذا أنعم الله على عبد أحب أن يرى أثر النعمة عليه». ومن آثار النعمة البناء الحسن، والثياب الحسنة. ألا ترى أنه إذا اشترى جارية جميلة بمال عظيم فإنه يجوز وقد يكفيه دون ذلك، فكذلك البناء. وكره ذلك آخرون، منهم الحسن البصري وغيره. واحتجوا بقوله عليه السلام: «إذا أراد الله بعبد شرا أهلك ماله في الطين واللبن».وفي خبر آخر عنه أنه عليه السلام قال: «من بنى فوق ما يكفيه جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه». قلت: بهذا أقول، لقول عليه السلام: «وما أنفق المؤمن من نفقة فإن خلفها على الله عز وجل إلا ما كان في بنيان أو معصية». رواه جابر بن عبد الله وخرجه الدارقطني.وقوله عليه السلام: «ليس لابن آدم حق في سوى هذه الخصال بيت يسكنه وثوب يواري عورته وجلف الخبز والماء» أخرجه الترمذي.الثالثة: قوله تعالى: {فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ} أي نعمه. وهذا يدل على أن الكفار منعم عليهم. وقد مضى في آل عمران القول فيه. {وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} تقدم في البقرة. والعثى والعثو لغتان. وقرأ الأعمش {تعثوا} بكسر التاء أخذه من عثى يعثى لا من عثا يعثو..تفسير الآيات (75- 76): {قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (75) قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (76)}قوله تعالى: {قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ} الثاني بدل من الأول، لأن المستضعفين هم المؤمنون. وهو بدل البعض من الكل..تفسير الآيات (77- 79): {فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (77) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (78) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (79)}قوله تعالى: {فَعَقَرُوا النَّاقَةَ} العقر الجرح.وقيل: قطع عضو يؤثر في النفس. وعقرت الفرس: إذا ضربت قوائمه بالسيف. وخيل عقرى. وعقرت ظهر الدابة: إذا أدبرته.قال امرؤ القيس:أي جرحته وأدبرته قال القشيري: العقر كشف عرقوب البعير، ثم قيل للنحر عقر، لأن العقر سبب النحر في الغالب. وقد اختلف في عاقر الناقة على أقوال. أصحها ما في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن زمعة قال، خطب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكر الناقة وذكر الذي عقرها فقال: «{إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها} انبعث لها رجل عزيز عارم منيع في رهطه مثل أبي زمعة» وذكر الحديث. وقيل في اسمه: قدار بن سالف.وقيل: إن ملكهم كان إلى امرأة يقال لها ملكي، فحسدت صالحا لما مال إليه الناس، وقالت لامرأتين كان لهما خليلان يعشقانهما: لا تطيعاهما واسألاهما عقر الناقة، ففعلتا. وخرج الرجلان وألجآ الناقة إلى مضيق ورماها أحدهما بسهم وقتلاها. وجاء السقب وهو ولدها إلى الصخرة التي خرجت الناقة منها فرغا ثلاثا وانفجرت الصخرة فدخل فيها. ويقال: إنه الدابة التي تخرج في آخر الزمان على الناس، على ما يأتي بيانه في النمل.وقال ابن إسحاق: أتبع السقب أربعة نفر ممن كان عقر الناقة، مصدع وأخوه ذؤاب. فرماه مصدع بسهم فانتظم قلبه، ثم جره برجله فألحقه بأمه، وأكلوه معها. والأول أصح، فإن صالحا قال لهم: إنه بقي من عمركم ثلاثة أيام، ولهذا رغا ثلاثا.وقيل: عقرها عاقرها ومعه ثمانية رجال، وهم الذين قال الله فيهم: {وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ} على ما يأتي بيانه في {النمل}. وهو معنى قوله: {فَنادَوْا صاحِبَهُمْ فَتَعاطى فَعَقَرَ}. وكانوا يشربون فأعوزهم الماء ليمزجوا شرابهم، وكان يوم لبن الناقة، فقام أحدهم وترصد الناس وقال: لأريحن الناس منها، فعقرها. قوله تعالى: {وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ} أي استكبروا. عتا يعتو عتوا أي استكبر. وتعتى فلان إذا لم يطع. والليل العاتي: الشديد الظلمة، عن الخليل.{وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا} أي من العذاب. {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ} أي الزلزلة الشديدة.وقيل: كان صيحة شديدة خلعت قلوبهم، كما في قصة ثود في سورة هود في قصة ثمود فأخذتهم الصيحة. يقال: رجف الشيء يرجف رجفا رجفانا. وأرجفت الريح الشجر حركته. وأصله حركة مع صوت، ومنه قوله تعالى: {يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ} قال الشاعر: {فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ} أي بلدهم.وقيل: وحد على طريق الجنس، والمعنى: في دورهم.وقال في موضع آخر: {فِي دِيارِهِمْ} إي في منازلهم. {جاثِمِينَ} أي لاصقين بالأرض على ركبهم ووجوههم، كما يجثم الطائر. أي صاروا خامدين من شدة العذاب. واصل الجثوم للأرنب وشبهها، والموضع مجثم. قال زهير: وقيل: احترقوا بالصاعقة فأصبحوا ميتين، إلا رجلا واحدا كان في حرم الله، فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه. {فَتَوَلَّى عَنْهُمْ} أي عند اليأس منهم. {وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ} يحتمل أنه قال ذلك قبل موتهم. ويحتمل أنه قال بعد موتهم، كقوله عليه السلام لقتلى بدر: {هل وجدتم ما وعد ربكم حقا} فقيل: أتكلم هؤلاء الجيف؟ فقال: {ما أنتم بأسمع منهم ولكنهم لا يقدرون على الجواب}. والأول أظهر. يدل عليه {وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ} أي لم تقبلوا نصحي.
|